مراجعة كتاب التحول في الحرب لمارتن فان كريفيلد

بواسطة إبراهيم الماجد
0 تعليق
--
استعادة

كتب مارتن فان كريفيلد الأستاذ الدكتور في الجامعة العبرية في القدس في قسم الدراسات العسكرية والحروب أحد أهم الكتب الجدلية حول التحول والتغير في الحرب. يصنفه الناشر للكتاب ” أنه الأكثر راديكالية في تفسير النزاعات المسلحة منذ كلاوزفيتز” والذي قد يختلف معه الكثير. تقوم الجدلية الرئيسية في كتاب مارتن على رفض وجهة نظر كلاوزفيتز حول سيطرة الحرب على التفكير الاستراتيجي الحديث ويراها” معيبة… قديمة وخاطئة”، وأن الحرب بين الدول ستتحول لتصبح حروب عرقية دينية. ولكنه يرى أن اختفاء العنف المنظم ونظام الدول يستند على التغيير في “الاعتقادات والافعال” القائمة على مفهوم الحرب عند كلاوزفيتز. سنحاول في مراجعتنا لهذه الكتاب على تقديم تلخيص للأفكار الأساسية التي جادلها مارتن في هذه الكتاب متبوعة برؤية نقدية حول ثلاثة أفكار رئيسية. ١) وجود نظام الدول ودوره في النظام الدولي والحروب، ٢) الاحتمالية القائلة بأفول الحروب بين الدول، وصعوبة استبعاد تأثير وتوجيه السياسة والمصالح للحروب.

تلخيص

يبدأ كريفيلد في كتابه بتسليط الضوء على نهاية حقبة الحروب التقليدية سواء كانت الحروب الشمولية كالحروب العالمية او الحروب التي تحدث بين دولتين ذات سيادة. يستدل كريفيلد على أفول تلك الحروب الى انخفاض القوات العسكرية التقليدية والميزانية العسكرية في الدول وبالتالي يدعي أن الحرب المسماه بالنزاعات ذات المستوى المنخفض (Low Intensity Conflicts) هي الحرب الحديثة المسيطرة والبديلة للحروب التقليدية منذ ١٩٤٥. هذه النوع من الحروب تتميز بثلاث. أولها، أنها غالبا سائدة في الدول النامية، ولكنها تحدث بأشكال مختلفة كالإرهاب او الاضطرابات المحلية. ثانيا، أن بنية القوات المشاركة فيها غير رسمية وغالبا تتشكل كمجموعات حروب العصابات او منظمات إرهابية والتي في مجملها تكون مندمجة مع مجتمعات المدنية. ثالثا: أنها تخلوا من أنظمة الأسلحة المتطورة باستثناء الدبابات والطيران الحربي. رابعا، أنها تنتج عددا كبيرا من الوفيات والتي يشكل في معظمها مدنيين.

يقدم كريفيلد نقد لاذعا ضد مفهوم كلاوزفيتز الحرب الثالوث (Trinitarian war) والتي يميز فيها بين أدوار الحكومة والجيش والشعب. بينما يجادل كلاوزفيتز أن شن الحروب وظيفة محصورة على الدول وحكوماتها، يعتقد كريفيلد أن مفهوم الدولة نسبيا مفهوم حديث أوروبي الانتاج والذي لم يأخذ شكله الرسمي الا بعد ١٦٤٨. يضيف كريفيلد أن استبعاد الشعب من شن الحروب غير دقيق كونه يلعب دور الضحية سواء في الهجوم المباشر عليه او في حالة تعرضه للحصار. وبالتالي فالقول إن شن الحروب هو حصري على الحكومات وجيوشها يغفل حقيقة أن هناك مجتمعات لا تعترف بمفهوم الدولة الغربي ولا حصر شن الحروب على الجيش النظامي. وبناء على ذلك فإن الحروب والنزاعات العسكرية ليس محدودة فقط بين الدول وجيوشها. يتفق كريفيلد مع كلاوزفيتز حول إمكانية القول بسيطرة مفهوم الحرب الثالوث بين ١٦٤٨ الى ١٩١٤، لكنه يعتقد أن النوع من هذه الحروب تدريجيا عفا عليها الزمن لأنها يصعب عليها تفسير التوجه الحالي السائد في النزاعات العسكرية التي قد نشأت من مجموعات ليست دول. وعلى أثر ذلك يستنتج أن شن الحرب المستقبلية سينحصر على مجموعات غير الدول كالإرهابية، العصابات، المجرمين، قطاع طريق ولصوص. بنية هذه المجموعات لن تكون مؤسساتية، ولكنها مبنية على الكاريزما. محفزهم وموجههم لن يكون احترافيا موضوعيا، ولكنه أيديولوجي وديني. هذه المجموعات لن تكون منفصلة عن شعوبها، بل هي أساسها، وتصبح الحماية هي المطلب الرئيسي للحصول على ولاء المجتمع السياسي. وبينما تحاول الدول احتواء انتشار هذا النوع من النزاعات، يمكن لفشلهم المحتوم أن يؤدي لإنهاء وجود الدول في النظام الدولي.

على أن كريفيلد يتفق مع كلاوزفيتز في وجود حروب سياسية التوجيه حصلت في فترات تاريخية معينة إلا أنه يختلف معه في أنه العامل الوحيد الموجه للحروب وذلك بسبب وجود حروب قامت على عوامل دينية او لتحقيق عدالة معينة. هناك في الأخير حروب من نوع آخر عرفت بحرب وجود المجتمع (community’s existence) والتي تعني القتال بسبب تهديد وجودي او لتكوين دولة؛ “حرب أكون او لا أكون” والتي استمر وجودها منذ القدم. يوضح كريفيلد أنه لا يجب النظر لحرب الوجود على أنها تحمل مصالح سياسية متهما هذا التوجه بأنه “لا معنى له…. تشويهي فض… وخطر”. ينظر كريفيلد للمصالح السياسية في الخطاب الحديث على أنه مرتبط بالدولة الحديثة ويضيف أنه حين تكون الحرب موجهة سياسيا ومبنية على حساب التكلفة والمصالح، لن تسود حرب الوجود فقط، بل إن هزيمة قواتها سيكون سهلا. ينفي كريفيلد الفكر الكلاوزفيتزي التقليدي الذين ينظر الى الحروب من عدسة انهاء وجود المجموعات والأحزاب المخالفة لها وبالتالي تبرر النزاعات على أنها عقلانية الوسائل والغايات. وبدلا من ذلك، يجادل كريفيلد أن الحرب تتشكل من أفراد يخاطرون بالموت او بإصابات مميتة وهذا يشير الى غياب المصالح الأنانية وحضور للإيثار لأن “الرجل الميت لا مصلحة له”. التشبيه المثير للاهتمام هو ذكره لمشاركة الأفراد في العاب القتال وفيها الفرد يخاطر بموته من أجل المتعة والبطولية والشرف والإخلاص وكلما زادت المخاطرة كلما زادت تلك الصفات. ولذلك لا يوجد جيش قادر على القتال والدفاع عن الأهداف سياسية كانت او غيرها بدون أن يستعد الجندي للموت او يرغب بالموت.

يرفض كريفيلد وجهة نظر كلاوزفيتز أن قانون الحروب هو عبارة عن قيود ذاتية لا تستحق الإشارة إليها مع وجود جملة من القوانين والأعراف الدولية المكتوبة. يدعي كريفيلد أن الحرب بدون قوانين وأعراف غير ممكنة سواء كانت ثقافية او تقليدية مع أن كريفيلد لا ينفي انتهاكات القوانين الحاصلة في الحروب. وهو أيضا لا يتفق معه على أن حصيلة القوانين الدولية الحالية تتفوق على القديمة والتي يرى أنها تكونت من تقليد وعرف ثقافي. يؤكد كريفيلد أن الغاية من قوانين الحرب كحماية القوات العسكرية، معرفة المسموح قتله وتحديد النتائج هي من تشكل نهاية الحرب. وبما أن الحرب ذات المستوى المنخفض تأخذ مكان الحروب التقليدية، سينشأ نوع آخر من الاتفاقيات والقوانين، ولكن التميز بين المدنيين والمقاتلين وبين الخاص والعام سينتهي و الأسلحة المحرمة دوليا ستستخدم وذلك بسبب انخفاض تكلفة انتاجه.

في استراتيجية كلاوزفيتز الحربية التي ترتكز على عوائق أساسية (عدم المرونة، الانقسام والريبة)، يدعي كريفيلد أن كلاوزفيتز أبدى اهتماما بالغا في الأهمية الوظيفية لحجم الجيش في عيون الأعداء في والتي تسبب نوعا من الرهبة والخوف، الانطباع المحايد والتشجيع الذاتي. ولكنه يؤيد كلاوتزفيتز في أن هذه العوائق ستكون واضحة بشكل محدد في سياق مواجهة جيوش كبيرة في الحروب ذات المستوى المنخفض او الحروب الصغيرة. ويقترح كريفيلد أن أي استراتيجية حربية يجب عليها التوازن بين التأثير والفعالية. وهذا يعني أن ١)

حجم القوات لابد أن يكون مناسبا بحيث يستخدم بشكل سهل في حالة عدم الوضوح ٢) الاليات المستخدمة يجب ألا تكون كبيرة ليسهل اخفاءها ٣) لابد أن تحمل درجة من القوة والمرونة حتى يسهل تغير الأهداف. ٤) كل المصادر يجب أن تتركز في موقع معين، ولكن بقدر يسمح لها بالتشتيت وإعادة التوجيه بسرعة من موقع لآخر. حين تأخذ حروب ذات المستوى المنخفض المستقبل، ستنشأ القوات الصغيرة وستختفي الأنظمة الأسلحة الحالية سواء الثقيلة منها كالصواريخ الباليستية والخفيفة المتطورة. التجارة بالأمن سترتفع وستأخذ مكان ودور الدولة فيه. ستكون أنظمة المعدات العسكرية غير مستخدمة كونها مكلفة، غير دقيقة، كبيرة، وسريعة وغير في هذا النوع من الحروب.

النقد

يواجه كريفيلد في كتابه ثلاث تحديات لم تكن إجابته عليها مقنعة. أولها هي التنبؤ بالنهاية التدريجية لنظام الدولة والتي يدعي أن ملامح أفوله بدأت في دول العالم الثالث وأن انتقاله لمناطق المجتمعات غير المتجانسة كالولايات المتحدة من خلال اللاجئين شبه حتمي. ولكن لم يكن الهدف الرئيسي لمناضلي بقاء المجتمع وحمايته كالمتمردين من أمثال جبهة التحرير الوطني العربية على الغاء نظام الدولة وبناء مجتمع من نوع آخر كما يدعي كريفيلد. ولكن اتجهت غالبية الجبهات المناضلة التحريرية لطرد المستعمرين من أراضيهم وانشاء دولة. نشأت الجزائر كدولة تعترف بنظام الدول والنظام الدولي وأصبحت جمهورية الجزائر الديموقراطية الشعبية. يشير لامبارت أن أي قوات متماسكة غير منتظمة تنتهي الي شكل من أشكال نظام الحكومات وستعرف لاحقا بوحدة سياسية. والمثال الأكثر راديكاليا هي داعش والمصنفة عالميا على أنها مجموعة إرهابية والتي سيطرت على كتلة جغرافية كبيرة عرفت نفسها بأنها الدولة الإسلامية في العراق والشام. هذا يشير الى ما ذكره هاورد أن بنية البديل السياسي للدولة في القريب العاجل غير موجود وهذا يعني بقاء الدولة كخيار مفضل في العصر الحديث.

المبالغة العجيبة التي ذكرها كريفيلد هو دور الفواعل غير الدولية في الحروب كالعصابات ومجموعات الإرهابية وحركات التحرر والاستقلال والتقليل من أهمية منظومة الدولة في توجيه النظام الدولي. لم يكن دور هذه المجموعات والحركات المتمردة بمنآي او باستقلال عن الدول خاصة في دول العالم. تجاهل كريفيلد دور الدول مجموعة كانوا أو فرادى على نشأة واستمرارية هذه المجموعات وكذلك تجاهل أن تعاون هذه الدول في القضاء عليها متى ما حست تلك الدول على ضرورة ذلك. أغلب مجموعات غير الدولة محليا ودوليا تعيش على استغلال الاختلافات والنزاعات والتنافسية المتجذرة بين الدول العظمى او الإقليمية. التضليل هو القول بأن حروب ذات المستوى المنخفض سيطرت على العالم بعد ١٩٤٥ بدون الإشارة الى أن معظم حروب الوكالة التي يصنفها كريفيلد أنها حرب ذات المستوى المنخفض يقف خلفها قوى عظمى سواء بشكل مباشر او غير مباشر. حروب الوكالة كنوع من أنواع حروب ذات المستوى المنخفض موجودة منذ الأزل وهي تعيش وتستمر على التنافس الأمني بين الدول. في كل منافسة حصلت او تحصل بين دول إقليمية او عظمى مثل ما حصل بين المملكة المتحدة وفرنسا في القرن الثامن والتاسع عشر وكذلك بين الولايات المتحدة الأمريكية والسوفييت أثناء الحرب الباردة أو بين دول إقليمية كالذي حصل بين المملكة العربية السعودية ومصر في اليمن في الستينات وكذلك حاليا بين السعودية وايران في الخليج. لم يستطع المجاهدين الأفغان الانتصار على السوفييت كما يدعي كريفيلد بدون الدعم الكبير الذي حصلت عليه من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها ولم يستطع حزب الله في لبنان أن يحقق ما حققه حاليا بدون الدعم المستمر من ايران، ويمكن قياس ذلك في جميع حالات المقاومة والإرهاب على مستوى العالم. ولذلك لا يمكن أن يكون لتلك المجموعات قوة مستقلة بذاتها وأن تعيش او تقاتل وحتى تنتصر بدون أن يكون لها غطاء دولي سواء كان الغطاء مباشر او غير مباشر.

كما أن الانتصارات التي حققتها هذه المجموعات كانت بدعم دولي، هناك حالات كثيرة فشلت هذه المجموعات على تحقيق أي انجاز ذاتي كالذي حصل في الثورة السورية. استمر الدعم السخي للثورة السورية من قبل الكثير من الدول سواء كان عسكريا او ماليا وتوافد الكثير من المقاتلين على سوريا واستطاعت تلك المجموعات تحقيق انتصارات ساحقة على جيش النظام السوري وميليشياته في البدايات. ولكن ما إن توقف هذا الدعم بعد ظهور انقسام كبير بين الجماعات السورية ودخول داعش على خط الثورة السورية، بدت أن مسألة الدعم للثورة أشبه بالمستحيلة مع الخوف بتكرار ظهور جماعة سياسية إرهابية كتنظيم القاعدة الذي نشأ وترعرع في افغانستان. بدت تتهافت قوى دعم الثورة وعلي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بحجة أن هذه الجماعات تشكل خطرا حقيقيا وانهارت قوى الثورة كليا أمام قوى النظام السوري. هذا يؤكد أن تلك الجماعات لا يمكن أن تحقق قوة استقلالية بذاتها وهي تتغذى وتعيش على المصالح المختلفة بين القوى العظمى ومتى ما ارتأت تلك القوى العظمى والإقليمية التعاون على منعها، فهي تتهاوى بأسرع ما يمكن ولنا في سقوط داعش السريع مثال.

ثانيا، يدعي كريفيلد الاختفاء الكلي او الانخفاض التدريجي للحروب التقليدية في العالم. تبدأ مشكلة كريفيلد في تعريفه للحرب التقليدية حيث إنه ينظر لها من معيار تقني والتي لا تهمل فقط عدد المقاتلين والاصابات، بل التعريف السياسي لها. بينما ينتقد كريفيلد الرؤية الحداثية للمفاهيم والتصورات في ادبيات الحروب، يقع في ذات المشكلة بالنظر الى الحرب التقليدية من رؤية مركزية غربية والتي ترفض الاعتراف بأن الحرب العراقية- الإيرانية في ١٩٨٠ هي حرب تقليدية والتي استمرت لمدة ثمانية سنين ووصل عدد القتلى فيها الى مليون إيراني و٢٥٠ الى ٥٠٠ الف عراقي (2010 ,Black). ينتقد ماكلان كريفيلد في نظرته القاصرة على أن الحروب التقليدية في فترة طي صفحاتها الأخيرة حين ينظر الى الأدلة الإحصائية وعدد القتلى والضحايا لثلاثة حروب تقليدية: الحرب الصينية- الفيتنامية، حرب الخليج الأولى وكذلك الثانية، وكذلك بعض الحروب المحدودة التقليدية كحرب الفوكلاند والاجتياح الإسرائيلي للبنان وحربي التحرير الوطني الكرواتية والإريترية وكذلك نزاع تقليدي في جنوب شرق افريقيا ناميبيا وانجولا. يجد ميتقانق صعوبات في النظر الى الحرب الأمريكية-الفيتنامية على أنها حرب ذات مستوى منخفض حين ينظر الى عدد القتلى في الجانبين والاستخدام الثقيل للقنابل الثقيلة والطائرات وحاملاتها وانغماس الكثير من الدول في المسألة.

ادعاء كريفيلد على اختفاء الحروب التقليدية الرئيسية منذ الحرب العالمية الثانية بسبب وجود السلاح النووي ليس بالجديد. يوضح الواقعي والتز بإسهاب أن السلاح النووي يلعب دورا مهما في منع الحرب بين الدول النووية وذلك بسبب إمكانية الانتقام بالضربة الثانية. وهذا بالتأكيد يشرح لماذا بعض الدول تتجه لامتلاك سلاح نووي كالذي حصل مع الاتحاد السوفيتي، الصين، الهند وباكستان ولاحقا كوريا الشمالية وايران. ولكن كريفيلد لا يرى وجود مصلحة سياسية كافية للسلاح النووي مع أنها تحقق الوظيفة الأساسية للدول وهو البقاء. ويناقض كريفيلد ذاته مرة أخرى حين يقول أن نجاح الولايات المتحدة في عاصفة الرمال ١٩٩١ يعود الى عدم امتلاك العراق السلاح النووي. يتوقع كريفيلد أن الحرب العراقية-الإيرانية هي الصفحة الأخيرة للحروب التقليدية بين الدول التي يشهدها العالم، ولاحقا اعتبر عاصفة الرمال في ١٩٩١ هي الصرخة الأخيرة للنسر الأمريكي، وعلى ذات المنطق اجتياح الولايات المتحدة الأمريكية للعراق ٢٠٠٣ واجتياح الروس لأوكرانيا ٢٠٢٢ ستكون الأخيرة. من الواضح أن قائمة كريفيلد لآخر الحروب التقليدية بين الدول ستطول. الجدل بأن الحروب ذات المستوى المنخفض أخذت او تأخذ محل الحروب التقليدية ليس واقعيا كون تلك الأنواع من الحروب ليس ظاهرة حديثة.

آخر التحديات اللي واجهها كريفيلد في كتابه هو استبعاد السياسة من حدوث الحروب. لقد أساء كريفيلد فهم كلاوزفيتز حين ربط الغايات السياسية على الدول فقط وحين وميز السياسي من غير السياسي بناء على حساب المصلحة والتكلفة والمرتبطة غالبا بالدول. لابد لتعريف السياسة أن يكون أوسع حيث إن حروب الوجود او الدينية هي سياسية وذلك لأنه من الصعب ابعادها من الأهداف السياسية. أغلب المجموعات المتطرفة المسلحة كالقاعدة او داعش هي مجموعات سياسية بالفطرة تسعى الى اسقاط الأنظمة الحالية باستخدام العنف. لا يوجد علاقة لهذا مع الدين كون أي مجموعة او منظمة تحمل أيديولوجية. المباركة الدينية ليس ظاهرة جديدة في اغلب الجيوش، سواء كانت رسمية او غير رسمية كالمقاتلين الأحرار او الجماعات الإرهابية. يتجاهل كريفيلد أهداف النزاعات سواء كان النزاع على شكل حرب أهلية او بين دولتين والتي غالبا يدور حول القوة وهذا يعني بالتأكيد أنها جماعة سياسية لأن معظم الجماعات السياسية المدنية والعسكرية تسعى للقوة. لا يجب أن يعتبر استخدام المجموعات السياسية للعنف لغايات غير سياسية حربا وبالتالي فالقتال لأهداف سياسية كتغيير الأنظمة السياسية أو طرد مستعمر أو قتال محتل هو النقطة المفصلية في تحديد السياسي من غير السياسي.

بينما يستبعد كريفيلد بشكل غير مقنع السياسة من حروب ذات المستوى المنخفض، يذهب بشكل أغرب الى الافتراض أن ليس للأفراد مصلحة ذاتية في موتهم، ولكنه ينعى ذلك الى الترفيه والشرف. القول أن ” الرجل الميت ليس له مصلحة” كالقول أن فضيلة الشهادة للفرد في الدين الاسلامي التي التي تجعله ينتحر للدخول للجنة ليست مصلحة ذاتية. يرفض كريفيلد ذلك بالقول أنها تعدم المعنى الحقيقي للمصالح مع أنه في ذات الوقت لا يقدم شرحا تفصيليا او تعريفيا واضحا للمصلحة. ومن الصعب أيضا النظر الى القتال من أجل الترفيه او الشرف على أنه خالي من المصلحة الذاتية فنظرة البشر للفرد في شجاعته واقدامه وفروسيته يعطي إحساس له بالشموخ والاعتزاز والقوة وهذا بالتأكيد مشروط بعدم موته في القتال او لعبة الاقتتال ما يسميها كريفيلد.

أترك تعليق هنا

جميع الحقوق محفوظة لمجلة وتيرة 2023

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00