التنافس المحتوم.. أمريكا، الصين ومأساة سياسات القوى العظمى.
جون ميرشايمر
فورين أفيرز.
كان الخيار ضروريا. في العقود الثلاث الأخيرة، انتهت الحرب الباردة بانتصار الولايات المتحدة الأمريكية و أصبحت القوة العظمى الوحيدة في العالم. خلا عند صناع القرار في الولايات المتحدة أي خشية من التهديد خاصة من الصين الهش والفقير الذي تحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية ضد الإتحاد السوفيتي لعقد كامل. ولكن كانت هناك بعض الملامح المشؤومة؛ الصين لديها عدد سكان يفوق عدد سكان الولايات المتحدة بخمس مرات والقيادة السياسية هناك احتضنت مشروع اقتصاديا اصلاحيا. يشكل حجم السكان والثروة العاملين الأساسيين في تشكل القوة العسكرية ولذلك كان احتمالية الصعود التدريجي للصين في العقود القادمة قوية. وعلى أثر ذلك الاحتمال الذي يشكل تحدي للولايات المتحدة الأمريكية في آسيا وغيرها، كان الخيار المنطقي للولايات المتحدة الأمريكية واضحا؛ إبطاء الصعود الصيني.
وعلى عكس المفترض، شجعت الولايات المتحدة على صعود الصين. سُحرت الولايات المتحدة بنظريات مضللة حول الانتصار المحتوم للليبرالية وزوال نزاعات القوى العظمى، ولم يختلف كلا من الادارتين الجمهورية والديموقراطية المتعاقبة حول تنفيذ سياسة التشارك والتي سعت لمساعدة الصين لتصبح دولة غنية. في الواقع، واشنطن دعمت الاستثمار في الصين ورحبت بها للانضمام لنظام التجارة العالمي، معتقدة أن ذلك سيجعلها مُحبة للسلام الديموقراطي ولاعبا دوليا مسؤولا في النظام الدولي المُدار أمريكيا.
وبالتأكيد لم يتحقق هذا الخيال. نائية نفسها عن احتضان القيم الليبرالية في الداخل والبقاء على سياسة الوضع القائم في الخارج، صعدت الصين أكثر قمعا وأكثر طموحا، وبدلا من تعزيز الانسجام بين بكين وواشنطن، فشلت سياسة التشارك في منع التنافس، بل وعجلت بكتابة نهايةٍ لما يعرف بفترة أُحادي القطب. أصبحا الصين والولايات المتحدة محبوسين فيما يعرف بالحرب الباردة الجديدة ــــ تنافس أمني شديد يمس كل بُعد في علاقتهم ببعض. هذه المنافسة ستختبر صناع القرار في الولايات المتحدة أكثر من الحرب الباردة السابقة، كون الصين تُشكّل قوة تنافسية أعلى بكثير من الاتحاد السوفييتي. وهناك احتمالية أن تتحول هذه الحرب الباردة الى حرب ساخنة.
كل هذه الحقائق يحب ألا تكون مفاجئِة إذا فهمنا واقعية الصين في سياساتها كما توقعت المدرسة الواقعية في السياسة الدولية. من يلوم القيادات الصينية في الرغبة بأن تصبح أقوى دولة في العالم وأن تسيطر على آسيا؟ وبلا شك فإن الولايات المتحدة ـــ التي لديها سياسة مشابهة لذلك ومسيطِرةٌ على إقليمها وهي الأكثر أمنا ونفوذا في العالم ــ لن تقبل بذلك. واليوم تتخذ الولايات المتحدة سياسة واقعية كما توقعت المدرسة الواقعية. برفض قبول نشأة دول مسيطرة على إقليمها، ترى الولايات المتحدة الطموح الصيني كتهديد مباشر، ومصممة على إبطاء صعود الصين المستمر. النتيجة المحتومة؛ التنافس والنزاع وهي مأساة سياسات القوى العظمى.
النتيجة المحتومة التي كان بالإمكان تفاديها هي سرعة ومدى صعود الصين الاستثنائي، ولو أن صناع القرار في الولايات المتحدة فكروا بسياسات توازن القوى في فترة أحادي القطب، لاستطاعوا إبطاء النمو الصيني وتوسيع فجوة القوة بين بكين وواشنطن. ولكن بعد نمو الصين باتت الحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة حتمية. بالإمكان القول إن سياسة التشارك كانت أسوأ الأخطاء الفادحة في التاريخ الحديث، حيث لا يوجد أي مثال مشابه لقوة عظمى تساعد في صعود منافس لها. حاليا الوقت تأخر كثيرا لعمل أي شيء لإيقافه.
الواقعية ١٠١
قريبا للانفصال الصيني-السوفييتي عام ١٩٦٠، عملت القيادات الأمريكية الحكيمة على دمج الصين في المنظومة الغربية لمساعدتها على النهوض اقتصاديا، وعللت ذلك بأن الصين قوية ستساعد على احتواء الاتحاد السوفييتي. ولكن السؤال الذي بادر للأذهان بعد نهاية الحرب الباردة هو كيف يمكن لصناع القرار في الولايات المتحدة التعامل مع الصين بعد سقوط الاتحاد السوفييتي؟ كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الصيني يشكل١-٧٥ من حجم الولايات المتحدة، ولكن مع امتلاك الصين ميزة عدد سكان واستمر تسارع نمو اقتصاد الصين في العقود القادمة، فمن المحتمل أنه سيتجاوز حجم اقتصاد الولايات المتحدة. وبشكل مبسط، لن يكون عواقب نمو الصين الاقتصادي على توازن القوى الدولي بسيطا.
من وجهة نظر الواقعية، ظهور الصين كعملاق اقتصادي هو كابوس. وهذا لا يعني فقط إعلانًا لنهاية حقبة أحادي القطب، ولكن صعود القوة العسكرية المصاحبة لصعود الصين الاقتصادي، حيث أن الدول الغنية الممتلكة لعدد سكان رهيب يحوّلون القوة الاقتصادية الى قوة عسكرية. والاحتمالية المؤكدة أن الصين ستسعى لتسيطر على آسيا وأن تزيد من قوتها ونفوذها في مناطق أخرى من العالم. ومتى ما فعلت ذلك، لن يكون للولايات المتحدة خيار آخر إلا احتواء الصين، هذا إذا ما فعلت أكثر من ذلك. النتيجة هو أن مستوى خطر التنافس الأمني الدولي سيرتفع.
فما السبب وراء حتمية تنافس القوى العظمى؟ بشكل عام، لا يوجد سلطة عليا تحكم في النزاعات بين الدول أو تحمي الدول في أوقات التهديد، بالإضافة أنه لا يوجد دولة متأكدة أن الدولة المنافسة ــــ خاصة الدولة التي تملك قوة عسكرية ــــ لن تنوي مهاجمتها. من الصعب التكهن حول نوايا الدول المنافسة وبالتالي تكتشف الدول أن أفضل طريق للبقاء في هذا النظام الدولي الفوضوي هو أن تصبح الدولة الأقوى، و يعني ذلك بشكل حرفي السيطرة على الإقليم التي تنتمي إليه مع التأكد بعدم السماح لأي دول أخرى أن تسيطر على إقليمها.
هذا المنطق الواقعي في السياسة الخارجية الأمريكية كان سائدا منذ بداية نشأة الولايات المتحدة. الرؤساء الأولين عملوا بجدية على إبقاء الولايات المتحدة أقوى دولة في الجزء الغربي للعالم. وبعد تحقيق هذه السيطرة الإقليمية في فترة بداية القرن العشرين، قامت الولايات المتحدة بلعب دور أساسي لمنع أربع دول من السيطرة على آسيا وأوروبا؛ ساعدت على هزيمة الإمبراطورية الألمانية في الحرب العالمية الأولى، وكل من الإمبراطورية اليابانية وألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية واستمرت على احتواء السوفييت في فترة الحرب الباردة. تخشى الولايات المتحدة تلك الدول محتَمِلة السيطرة وذلك ليس عائدا فقط لاحتمال نمو قوتهم لتهديد نفوذ الولايات المتحدة في الجزء الغربي من العالم، بل لأنه سيصعّب عليها توسيع وإبراز قوتها دوليا.
وكذلك الصين تقوم بذات المنطق الواقعي وترغب أن تصبح الدولة الأقوى في إقليمها ــ كالولايات المتحدة ــ وكذلك في العالم. تريد الصين بناء اسطول بحري لحماية الوصول الى بترول الخليج الفارسي، تريد الصين أن تكون الدولة الأولى في التقنيات الحديثة، تريد الصين بناء نظام دولي يقدم غالبا مصالحها. تكمن سذاجة الصين المفرطة حين تتنازل عن سعيها وراء هذه الأهداف.
غالبية الأمريكان لا يعترفون أن بكين وواشنطن يتبعون ذات قواعد اللعبة الدولية بسبب اعتقادهم أن الولايات المتحدة دولة ديمقراطية نبيلة تعمل بشكل مختلف عن الدول السلطوية الشرسة الصين. ولكن السياسة الدولية لا تعمل بهذه الطريقة. لا بديل لكل الدول العظمى ديمقراطية أو غير ديمقراطية الا المنافسة على القوة والتي أساسها اللعبة الصفرية. هذا هو المحفز الأساسي للقوتين العظميين خلال الحرب الباردة. وهي اليوم ذات المحفز للصين وقياداتها حتى وإن كانت ديموقراطية. وبنفس الوقت هي المحفز وراء حسم قرار احتواء الصين من القيادة الأمريكية.
وإذا كان ثمة أحد يرفض الحسبة الواقعية والتي تركز على أن العوامل البنيوية هي مَن وراءَ تنافس القوى العظمى، كان يجب على القيادات الأمريكية الاعتراف بأن جعل الصين من بين كل الدول قوة عظمى كان مشروعا خاطئا. بعد كل ذلك، سعت الصين إلى حل الخلاف الحدودي مع الهند بشروط لصالحها، مخفية أهدافها التعديلية في شرق آسيا. بيّن صناع القرار الصينيين بشكل مثابر رغبتهم في إعادة ضم تايوان، أخذ جزر ديوجا من اليابان (تعرف في اليابان بمسمى جزر سينكاكو)، السيطرة على معظم بحر الصين الجنوبي. كل تلك الأهداف يتوقف مصيرها تماما على قرار جيران الصين وكذلك الولايات المتحدة. كانت الصين دائما لديها أهداف تعديلية؛ كان الخطأ هو السماح لها أن تصبح قوية بما فيه الكفاية لتحقيق تلك الأهداف.
الطريق المتروك.
لو قَبِل صناع القرار الأمريكيين منطق الواقعية لأصبح لديهم مجموعة من السياسات الواضحة لتؤخذ في إبطاء نمو اقتصاد الصين ولحافظت على فجوة الثروة بينهم. في أوائل ،١٩٩٠ كان الاقتصاد الصيني متخلف جدا وكان مستقبل نموه يعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة من خلال الوصول إلي أسواقها، وتقنيتها ورأس مالها. وكونها في ذلك الوقت جالوت الاقتصاد والسياسة، كانت الولايات المتحدة في وضع مثالي لإعاقة صعود الصين.
في بداية ١٩٨٠، منح الرؤساء الأمريكيون الصين حالة “أعظم دولة مفضلة في التبادل التجاري” وهو اعتراف أعطى الدولة أفضل شروط تجارية ممكنة مع الولايات المتحدة. يُفترض أن هذا التفضيل انتهى مع نهاية الحرب الباردة، وبالتالي كان على القيادة الأمريكية التفاوض مع الصين على اتفاق تجاري ثنائي جديد بشروط صارمة. كان عليهم أن يفعلوا ذلك، حتى لو أصبح الاتفاق غير محبذ للولايات المتحدة. ومع حجم الاقتصاد الصيني البسيط، ستكون الضربة أكثر كلفة عليهم من على الاقتصادي الأمريكي. بدلا من ذلك، أحتفظ الرؤساء الأمريكيون سذاجة منهم بمنح الصين حالة الدولة المفضلة للتبادل التجاري سنويا. في عام ٢٠٠٠، وبشكل ملحوظ، تراجع نفوذ واشنطن على بكين بعد منحهم حالة الدولة المفضلة للتبادل التجاري بشكل دائم. وفي السنة التالية، أخطأت الولايات المتحدة مرة أخرى بعد السماح للصين بالانضمام لمنظمة التجارة العالمية. ومع الأسواق العالمية المفتوحة، نمت تجارة الصين وأصبحت المنتجات الصينية أكثر منافسة وصعدت الصين سريعا.
وبعيدا عن تقييد وصول الصين الى النظام التجاري الدولي، كان على الولايات المتحد إحكام تصدير التقنية الأمريكية المتطورة بصرامة. كان يمكن التحكم بالصادرات أن يؤثر على الصين، خاصة في ١٩٩٠ و بداية السنوات العقد الذي يليه حين كان الشركات الصينية خالية من الابتكار، بل وناسخة للتقنية الغربية. كان منع وصول الصين للتقنية المتطورة الغربية في مجالات الفضاء والإلكترونيات كفيل جدا إلى إبطاء تنميتها الاقتصادية. ولكن واشنطن سمحت بتدفق التقنية بقيود محدودة والتي أتاحت الصين لتحدي السيطرة الأمريكية على عالم الابتكار النوعي. قام صناع القرار الأمريكيين بخطأ آخر حين خفضوا القيود المباشرة على الاستثمار الأمريكي في الصين والتي كانت قليلة في١٩٩٠ولكن تكاثرت كالفطر في العقود الثلاث التي تلتها. يمكن لأحد أن يقول: لو أن الولايات المتحدة كانت صارمة في التجارة والاستثمار، لذهبت الصين لدول أخرى. ولكن الدول القادرة على المساعدة كانت محدودة في ١٩٩٠. لم تكن الولايات المتحدة فقط مقيدة بإنتاج التقنيات الحديثة، بل كان لديها الكثير من الأوراق الأخرى كالعقوبات والضمانات الأمنية، والتي كان من الممكن أن تساعد في إقناع الدول الأخرى بالحذر من التعامل مع الصين. وكجزء من الجهود لتقييد الدور الصيني في التجارة، كان يمكن لواشنطن أن تضع قائمة بالحلفاء كاليابان وتايوان، مُذكرةً إياهم أن تصاعد قوة الصين يعني ازدياد التهديد الوجودي لهم.
مع إصلاحات السوق والقوة المحتملة الكامنة، تبقى احتمالية صعود الصين قائمة على الرغم من السياسات المنفذة المذكورة. ولكن وقت صعود الصين كقوة عظمى سيتأخر الى تاريخ بعيد إلى حد ما، وحين تفعل ستكون أضعف بشكل كبير من الولايات المتحدة وبالتالي لن تكون في موضع لتبحث عن السيطرة الإقليمية.
وبسبب أن القوة النسبية ــ وليس المطلقة ـــ هي المهمة في السياسة الدولية، يحث المنطق الواقعي صناع القرار في الولايات المتحدة على بذل الضعفين في الجهود لإبطاء النمو الاقتصادي الصيني مع حملات لإبقاء ـــ اذا لم يكن رفع ــ تفوق بلادهم على الصين. كان بإمكان الإدارة الأمريكية أن تستثمر بشكل مكثف على البحث والتنمية، ممولة النوع المهم للإبداع والابتكار المسؤول عن الحفاظ على التفوق الأمريكي في التقنية الحديثة. كان بالإمكان فعلا ثني المصانع من الانتقال للخارج لدعم قاعدة التصنيع الأمريكي ولحماية الاقتصاد من شدة حساسية سلاسل التوريد العالمية. ولكن لم يُتبنّ أيً من هذه السياسات الحصيفة.
وهم التفكير (التفكير الوهمي)
مع الانتصار الليبرالي الذي ساد داخل المؤسسات الأمريكية في ١٩٩٠، كان فرصة بقاء التفكير الواقعي ضئيلة للتأثير على السياسة الخارجية الأمريكية. وبدلا من ذلك، افترضَ صناع القرار في الولايات المتحدة أن السلام والازدهار العالمي سيتضاعف بنشر الديموقراطية، للتشجيع على فتح الاقتصاد الدولي وتقوية المؤسسات الدولية. بتطبيق هذه الرؤية على الصين، نجد أن هذا المنطق يصف سياسة التشارك والتي تكون تسعى فيها الولايات المتحدة لدمج الصين في الاقتصاد العالمي آملة في جعلها أكثر ازدهارا و موصلةٍ ـــــ كما أُعتقد ــــــــ الى صين ناضجة تحترم الديمقراطية وحقوق الإنسان و فاعلا دوليا مسؤولا. وبعكس الواقعية ــ والتي تخشى من النمو الصيني ـــ رُحّب بسياسة التشارك.
ومع خطر هذه السياسة، كان اتساع وعمق دعم سياسة التشارك رهيب والتي قُبلت من أربع إدارات أمريكية. الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب كان ملتزما بسياسة التشارك حتى قبل نهاية الحرب الباردة. وفي مؤتمر صحفيا بعد مذبحة ميدان تيانانمن عام ١٩٨٩، قدم بوش الأب تبريرا للحفاظ على الارتباط الاقتصادي مع الصين بجدلية أن الاتصال التجاري الصيني-الأمريكي أساسيا في طلب المزيد من الحريات وأن المحفزات الاقتصادية تجعل الدمقرطة أو البحث عن الديموقراطية محتومة. وبعد سنتين حين تم انتقاده بعد تجديده حالة الصين الدولة المفضلة في التبادل التجاري، دافع عن سياسة التشارك بالادعاء على أنها ستساعد في “خلق حالة من التغيير الديموقراطي”.
انتقد بيل كلينتون بوش الأب “تدليل” الصين في أثناء حملته الانتخابية الرئاسية ١٩٩٢ حين حاول استخدام اللغة الصارمة مع الصين بعد فوزه بالرئاسة. ولكن تغير ذلك سريعا حيث أَعلن في ١٩٩٤ أنه يجب على الولايات المتحدة تكثيف وتوسيع سياسة التشارك مع الصين والتي ستساعدها في التطور التدريجي لقوة مسؤولة ليس على المستوى الاقتصادي فحسب، بل على تنمية النضج السياسي والتي تكون فيها حقوق الإنسان ملحوظة. قاد كلينتون الطريق لإقناع الكونجرس الأمريكي لمنح الصين حال الدولة المفضلة الدائمة والتي أرست الأساس لانضمامها لمنظمة التجارة العالمية. “إذا كنت تؤمن بمستقبل الانفتاح العظيم والحرية للشعب الصيني”، هو أبقاها في سنة ٢٠٠٠، ” ينبغي عليك دعم هذه الاتفاقية”.
كذلك دعم جورج بوش الابن الجهود لسحب الصين داخل منظومة الاقتصاد العالمي، واعدًا كمرشح رئاسي أن ” التجارة مع الصين ستشجع على الحريات”. في سنته الرئاسية الأولى، وقع على منح الصين حالة الدولة المفضلة الدائمة في التبادل التجاري وأخذ الخطوة الأخيرة لانضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية.
لم تختلف إدارة أوباما كثيرا عن هذا التوجه. “منذ أصبحت رئيسا، كان هدفي هو بشكل مستمر التشارك مع الصين بشكل بنائي، لإدارة اختلافاتنا ومضاعفة فرص التعاون” خطاب باراك أوباما عام ٢٠١٥. ” ولقد قلت باستمرار أنني أؤمن أن من مصلحة الولايات المتحدة رؤية نمو الصين”. قد يعتقد شخص أن “التحول إلى آسيا”، التي أعلنتها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في ٢٠١١، مثلّت التحول من التشارك إلى الاحتواء، ولكنه كان حدسًا خاطئًا. كانت كلينتون ملتزمة بسياسة التشارك، وفي مقالتها في الفورين بوليسي ملأت المسألة في التحول إلى آسيا بخطابات ليبرالية حول مزايا السوق المفتوح. كتبت ” ازدهار الصين مفيد لأمريكا”. وأكثر من ذلك، ولحفظ وضع ٢٥٠٠ جندي أمريكي في استراليا، لم تؤخذ خطوات مفيدة لتنفيذ استراتيجية جدية للاحتواء. كان الدعم للتشارك عميقا وواسعا داخل المجتمع التجاري الأمريكي والتي رأت الصين كقاعدة تصنيع وسوق ضخم والتي يزيد فيها عن أكثر من مليار عملاء محتملين. يغلب على مجموعات التجارة مثل الغرفة التجارية الأمريكية، طاولة التجارة المستديرة، الجمعية الوطنية للتصنيع ما عبر به رئيس الغرفة التجارية آنذاك توماس دونوهيو “حملة ضغط بلا توقف” لمساعدة الصين للانضمام في منظمة التجارة العالمية. كذلك الأصوات الإعلامية القيادية احتضنت سياسة التشارك مثل مجالس التحرير في وول ستريت جورنال، نيويورك تايمز وواشنطن بوست. كذلك كتاب العواميد مثل توماس فريدمان، والذي مثل الكثير كتب: “مع الوقت، وببساطة، قيادات الصين لا يمكنها السيطرة ومراقبة انفجار السوق المفتوحة، أو منع عدد قليل من الأفراد ممن تعرضوا للكذب لإحداث شغب ضد الحكومة. تتماشى المؤسسات الأخرى مع تأثير السوق الحر (ضمانات وعمولات الصرف) إلى صحافة مسؤولة ومدعومة بقوة بدولة القانون”. كانت سياسة التشارك وبشكل متساوٍ شائعٌ في الأروقة الأكاديمية. قليل من المختصين في الصين وأساتذة العلاقات الدولية شكك في حكمة مساعدة بكين تنمويا لتصبح قوية. وأفضل ملمح لمؤسسة السياسة الخارجية الغالبة في الالتزام بسياسة التشارك هو دعم صقور الديمقراطية والجمهورية البارزة زبجنيو بريجينسكي وهنري كيسنجر أثناء الحرب الباردة لهذه الاستراتيجية.
كثير من المدافعين يعترفون أن سياسة التشارك مع الصين قابلة للفشل. كلينتون اعترف في سنة ٢٠٠٠ ” نحن لا نعرف إلى أين تتجه هذه السياسة” وكذلك جورج دبليو بوش الابن كرر ذلك في ذات السنة قائلا: ” لا يوجد ضمانات”. ومع ذلك كان أمثال هذه الشكوك نادرة. والأهم من ذلك أنه لا يوجد أي من داعمي سياسة التشارك تنبأ بأثر الفشل. يعتقد هؤلاء أن احتمالية رفض الصين للتحول للديمقراطية يعني ببساطة دولة ضعيفة. لم يكن في حسابات هؤلاء وجود احتمالية أن الصين تصبح قوية و سلطوية في نفس الوقت. وقبل كل ذلك، لقد اعتقدوا أن السياسة الواقعية هو تفكير عفى عليه الزمن.
حافظ بعضا من داعمي سياسة التشارك بالقول: أن الولايات المتحدة أحاطت رهانها في سياسة التشارك بدمجها بسياسة الاحتواء في حال أن الصداقة مع الصين لم تزدهر. ” للأمان… نحن خلقنا سياسة تأمين في حال أن الرهان فشل “كتب ذلك جوزيف ناي في ٢٠١٨ التي احتل منصب مستشار في وزارة الخارجية الأمريكية في فترة كلينتون. هذا الادعاء غريب مع استمرار رفض صناع القرار الأمريكيين احتواء الصين. مثلا، في سنة ١٩٩٧ وصف كلينتون سياسته ” ليست سياسة احتواء ولا نزاع” ولكن “تعاون”. وحتى لو كان صناع القرار الأمريكيين يحتون الصين بشكل سري، سياسة التشارك تقوض جهودهم بسبب أن سياستهم لاحقا حولت ميزان القوة العالمي في مصلحة الصين. من الصعب الجمع بين خلق منافس دولي وتنفيذ سياسة الاحتواء.
التجربة الفاشلة
لا يوجد من يستطيع القول أن سياسة التشارك لم تُقدم فرصة سانحة للعمل ولا يستطيع أحد أن يجادل أن الصين نشأت كتهديد بسبب أن الولايات المتحدة لم تقم باستيعابها بشكل كاف. ومع مرور السنوات، أصبح من الواضح أن سياسة الانخراط كانت فشلا. واجه اقتصاد الصين نمو اقتصاديا غير مسبوق، بل إن الدولة لم تتحول الى دولة ديموقراطية أو أصبحت فاعلا دوليا مسؤولا كما أُدعي. بالعكس، القيادات الصينية نظرت للقيم الليبرالية كتهديد لاستقرار الدولة، وكعادة قيادات القوى الصاعدة، سعت الصين تدريجيا الى سياسة خارجية عدوانية.
لا يوجد وصف آخر لسياسة التشارك إلا القول بأنها استراتيجية خاطئة كليا. كما كتب ٢٠١٨ اثنان من موظفي إدارة أوباما السابقين كيرت كامبل وإيلي راتنر وهما حاليا يعملون في إدارة بايدن: “واشنطن حاليا تواجه أشد منافسة صعبة ومتغيرة في التاريخ الحديث”.
وضع أوباما خطً صارما ضد بكين أثناء رئاسته متحديا ادعاءاتها البحرية و رافعا قضايا ضدها في منظمة التجارة العالمية، ولكن هذه الجهود البسيطة فعلت القليل. التغير الحقيقي في سياسة التشارك حصل في عام ٢٠١٧. بعد أن اصبح ترامب رئيسا للولايات المتحدة، تخلى سريعا عن سياسة التشارك التي اُحتضنت من الإدارات الأربعة السابقة، مستبدلا إياها بسياسة الاحتواء. كما اتضح في ملف استراتيجية البيت الأبيض المعلن سنويا عن عودة تنافس القوى العظمى وأن الصين تسعى “لتتحدى قوة، ونفوذ، والمصالح الأمريكية، محاولةً تقليص الأمن والازدهار الأمريكي”. مصمما على إيقاف الصين من النجاح، بادر ترامب حرب تجارية في عام ٢٠١٨ وحاول لتقليص تقنية هواوي العملاقة وبعضا من الشركات الصينية التي هددت السيطرة الأمريكية على التقنية. وكذلك طورت إدارته علاقة قوية بتايوان وتحدت ادعاءات الصين ببحر الصين الجنوبي. الحرب الباردة الثانية على الأبواب.
من الممكن لأحد أن يتوقع أن الرئيس جو بايدن سيتخلى عن سياسة الاحتواء وأن يعود الى سياسة التشارك وذلك لدعمه الواسع لهذه السياسة حين كان عضوا في لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ وكذلك في عهد إدارة أوباما. الحقيقة أنه كرئيس احتضن سياسة الاحتواء تجاه الصين كسابقه ترامب، متعهدا “بتنافس شديد” مع الصين في حال فوزه بالرئاسة. كذلك الكونجرس لم يكن بعيدا عن التوجه. في يونيو شُرّع القانون الأمريكي الابتكار والمنافسة في مجلس الشيوخ بدعم من كلا الحزبين. القانون وسم الصين بالتحدي الجيوسياسي و الجيو-اقتصادي الأكبر للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وطالبوا معاملة تايوان كدولة ذات سيادة وكأهمية حيوية استراتيجية. من الواضح أن الجمهور الأمريكي يشارك هذه الرؤية: طرح مركز بيو البحثي استفتاء ٢٠٢٠ والتي وجدت فيه أن ٩ من ١٠ أفراد أمريكيون يرون ازدياد قوة الصين تهديد. التنافس الأمريكي-الصيني الجديد لن ينتهي قريبا. في الحقيقة، احتمال صعوده وارد بغضّ النظر عن الشخص الموجود في البيت الأبيض.
خطر الحرب الساخنة
يصور حاليا المدافعون عن سياسة التشارك الانحدار الحلزوني في العلاقة الأمريكية-الصينية كعمل من يرغب في جعل المواجهة على شكل السوفييت-أمريكا ـ “رجال الحرب الجدد”، الكلمات التي خرجت من موظف إدارة بوش الابن السابقة روبرت زوليك. في رأي داعمي سياسة التشارك، المحفزات للتعاون الاقتصادي تفوق الحاجة للتنافس على القوة، والمصالح المشتركة تتفوق على المصالح المتضاربة. وللأسف، أنصار سياسة التشارك يهمسون في الهواء. الحرب الباردة الثانية موجودة حاليا وحين يقارن أحد بين الحربين الباردتين، يصبح من الواضح أن احتمالية الحرب العسكرية في التنافس الأمريكي-الصيني أعلى من احتماليتها بين الولايات المتحدة والسوفييت.
النقطة الأولى في المقارنة بين النزاعين هي القدرات. الصين هي أقرب جدا من ناحية القوة الكامنة للولايات المتحدة من أعلى ما وصلت له قوة السوفييت. في أعلى مستويات قوتها في سنة ١٩٧٠ كان لدى الاتحاد السوفييتي اقل عدد سكان من الولايات المتحدة (اقل من ١.٢ الى ١)، وبالنظر الى الناتج القومي الإجمالي كمعيار للثروة، كان السوفييت يملك فقط ٦٠٪ مما تملك الولايات المتحدة. بالمقابل، تملك الصين سكانا أكثر ٤ مرات من السكان في الولايات المتحدة وبحوالي ٧٠٪ مما تملك الولايات المتحدة. وفي حال استمر الاقتصاد الصيني بالنمو بهذا المعدل الرهيب وهو ٥٪ سنويا، فإنه في النهاية سيكون لديه قوة كامنة أكثر من الولايات المتحدة. هناك توقع أن الصين في عام ٢٠٥٠ سيكون لديها ميزة عدد السكان بحوالي ٣.٧ لكل فرد أمريكي١. وفي حال أن الصين لديها نصف الناتج المحلي للفرد في الولايات المتحدة في عام ٢٠٥٠ـــ التي وصلت إليها كوريا الجنوبية حالياـــ ستكون ثروتها أكبر بـ ١.٨ مرات من الولايات المتحدة. وفي حال فعلت الأفضل من ذلك بالوصول الى ٣.٥ لكل فرد من الناتج المحلي الأمريكي ــ والتي وصلت اليها اليابان حاليا ــ ستكون أكبر بـ ٢.٣ مرات من الولايات المتحدة. بكل هذه القوة الكامنة، تستطيع بكين بناء جيش أقوى من الولايات المتحدة الأمريكية والتي ايضا ستنازع الصين من على بعد ٦٠٠٠ ميل.
لم يكن الاتحاد السوفيتي أفقر من الولايات المتحدة فحسب؛ قد كان في أشد فترات الحرب الباردة يتعافى من التدمير المرعب من ألمانيا النازية. في الحرب العالمية الثانية، فقد الاتحاد السوفيتي ٢٤ مليون مواطن بالإضافة إلى ٧٠ ألف قرية ومركزا و٣٢ الف مصنعا تجاريا و٤٠ الف طرق معبدة للشاحنات والسيارات. لم يكن في وضعية تسمح لها بقتال الولايات المتحدة. بالمقارنة، كانت آخر حرب قاتلت الصين فيها عام ١٩٧٩ ضد فيتنام وفي العقود اللاحقة أصبحت طاغوتا اقتصاديا.
هناك حالة أخرى تتعلق بقدرات الاتحاد السوفييتي والصين خالية منها؛ الحلفاء المزعجون. خلال الحرب الباردة، حافظ الاتحاد السوفييتي على وجود جيش ضخم في شرق أوروبا وكان منخرطا بعمق في سياسات اغلب دول المنطقة. كان يجب عليها أن تنازع كل حالات التمرد في شرق ألمانيا، بولندا، هنغاريا وتشيكوسلوفاكيا. كانت ألبانيا، رومانيا ويوغسلافيا بشكل متكرر تتحدى سياسات الأمن والاقتصاد السوفييتي. كانت أيادي السوفييت أيضا ممتلئة بالصين والتي تحولت إلى دولة محايدة أثناء الحرب الباردة. كان هؤلاء الحلفاء عبئا على كتف موسكو والتي شتت القيادات السوفييتية عن المنافس الأساسي: الولايات المتحدة. لدى الصين الحالي قلة من الحلفاء ــ باستثناء كوريا الشمالية ــ وهي أقل ارتباطا بحلفائها من ارتباط الاتحاد السوفييتي بحلفائه. وبشكل مختصر، لدى بكين مرونة أكبر لخلق مشكلات في العالم.
وماذا عن الدافع الأيديولوجي؟ كالاتحاد السوفييتي، تدار الصين عبر حكومة شيوعية مختارة. ولكن مثل خطأ الولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة حين نظروا أساسيا الى السوفييت كخطر شيوعي مصمما على نشر ايديولوجيتها حول العالم؛ سيكون من الخطأ اليوم النظر إلى الصين كتهديد أيديولوجي. كانت السياسة الخارجية السوفيتية متأثرة هامشيا المفكرين الشيوعيين. كان جوزيف ستالين واقعي أصيلا كغالبية خلفائه. أما الشيوعية في الصين الحديث غير مهمة، وبالتالي من الأفضل فهمها أنها دولة سلطوية تحتضن الرأسمالية. يجب على الأمريكيين أن يتمنوا لو أن الصين شيوعية لكان لديها اقتصادا بليدا.
ولكن لدى الصين نوع آخر والذي يمكن أن يفاقم حدة التنافس مع الولايات المتحدة؛ ألا وهي القومية. في الغالب تشكل القومية أقوى أيديولوجية سياسية في العالم وكان نفوذها في الاتحاد السوفيتي محدود بسبب تناقضها مع مفهوم الشيوعية. أما القومية الصينية فلقد بدأ دخانها يلوح في بداية ١٩٩٠. الذي يجعل الصين خطرا هي تأكيدها وإصرارها على فترة عقد الإذلال الوطني الذي بدأ في حرب اوبيوم الأولى والتي كانت الصين فيها ضحية للقوى العظمى خصوصا اليابان وفي بعض الروايات الولايات المتحدة. كان أثر الرواية القومية فعالة في عام ٢٠١٢-٢٠١٣ حين اصطدمت الصين واليابان في مناوشة حول جزر دياجو/سيناكوا، مسببا حالة من المظاهرات في الصين ضد اليابان. وفي السنوات القادمة، مستوى شدة التنافس الأمني في شرق آسيا سيرفع من مستوى العدوانية الصينية ضد اليابان والولايات المتحدة وبالتالي رافعا احتمالية الحرب الساخنة.
رفع مستوى احتمالية الحرب هي من طموحات الصين الإقليمية. كانت قيادات السوفييت مشغولة بالتعافي من آثار الحرب العالمية الثانية وإدارة مناطق شرق أوروبا وراضية حول الوضع القائم في القارة. في المقابل، تلتزم الصين التزاما عميقا بسياسات توسعية في شرق آسيا. وعلى الرغم من أن الهدف الرئيسي للصين هي رغبتها أن يكون لها مكانة وقيمة استراتيجية، تأخذ الصين بالحسبان قدسية الأراضي والأقاليم، ويعني ذلك أن مصيرهم مربوط بالقومية الصينية. هذا بشكل خاص حقيقة تايوان؛ ارتباط الشعور الصيني العاطفي لهذه الجزيرة لم يتواجد بين السوفييت في برلين، والذي يجعل التزام واشنطن للدفاع عن تايوان مخاطرة.
وأخيرا، إن جغرافيا الحرب الباردة الجديدة مهيأة أكثر من الحرب الباردة القديمة. على الرغم من أن التنافس أمريكي-السوفييتي كان دوليا، كان مركز ثقلها في الستارة الحديدية في أوروبا وفيها كلاهما يملكان جيش وقوات جوية معدة ضخمة بالإضافة الى الآلاف من الأسلحة النووية. كان احتمالية الحرب بينهم في أوروبا ضئيلة بسبب أن كلا صناع القرار في الدولتين فهموا أبعاد خطر التصعيد باستخدام السلاح النووي. لا يوجد قائد كان لديه الرغبة لبدء نزاع يؤدي إلى احتمال تدمير دولته.
في آسيا، لا يوجد هذا الخط الفاصل كالستارة الحديدية لترسيخ الاستقرار. وبدلا من ذلك، هناك نزاعات محتملة معدودة بالأصابع والتي تقتصر على استخدام الأسلحة التقليدية، مما يجعل فكرة الحرب موجودة. القتال المتوقع للسيطرة يشمل على تايوان، جنوب بحر الصين، جزر دياجو/سينكاكو، والطريق البحري الذي يصل الصين بخليج فارس. هذه الأشكال من النزاعات سيكون من المحتمل قتالها في البحر باستخدام القوة المنافسة البحرية والجوية. ويعني السيطرة على الجزيرة أنه من المحتمل مشاركة قوات عسكرية صغيرة. حتى القتال حول تايوان، والتي من الممكن جذب قوات صينية برمائية، لن يشمل على أسلحة استخدام أسلحة نووية ضد بعضها البعض.
لا شيء مما قيل يعني أن سيناريوهات الحروب المحدودة ممكنة، ولكن معقولية حدوثها كان أكثر من الحرب بين حلفي الناتو ووارسو. ولكن لا ينبغي الافتراض أنه لن يتم الصعيد بالنووي حين تقع الحرب بين واشنطن وبكين حول تايوان وجنوب بحر الصين. بالفعل، حين يخسر أحد الأطراف خسارة شديدة من المحتمل أن يتجه لاستخدام السلاح النووي لإنقاذ الموقف. من الممكن لبعض صناع القرار أن يستنتج أنه بالإمكان استخدام الأسلحة النووية دون مخاطرةٍ وتصعيدٍ غير مقبول مثل إلقاء القنبلة في البحر وانتشارها في أراضي الصين والولايات المتحدة وحلفائها. الاحتمالية ليست فقط محدودة بحرب قوى عظمى في الحرب الباردة الجديدة، بل احتمالية استخدام النووي.
المنافس المصنوع أمريكيا.
على الرغم من أن أعضاء سياسة التشارك تقلصوا، دعاة هذه السياسة باقين ويعتقدون أن بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية البحث عن أساس مشترك مع الصين. في آخر شهر يوليو ٢٠١٩، وقع مئة متابعين للشأن الصيني وبعضها من أعضاء الكونجرس خطابا للرئيس رافضين فكرة وجود تهديد صيني. ” يعي الكثير من نخب ومسؤولي الصين أن منهج التعاون الاصيل المعتدل والبراغماتية مع الغرب يخدم مصالح الصين” كتبوا ذلك طالبين من واشنطن لــ “للعمل مع الحلفاء والشركاء لخلق عالم أكثر انفتاحا وازدهار وفيها يعرض للصين فرصة للمشاركة في ذلك”.
ولكن وببساطة، لا تحبذ القوى العظمى إعطاء قوى عظمى أخرى فرصة لزيادة قوتها على حسابها. العامل الأساسي وراء تنافس القوى العظمى هو عامل بنيوي والذي يعني أن المشكلة لا يمكن فقط إزالتها بسياسة معينة. الحل الوحيد الذي يمكن أن يغير الديناميكية الأساسية هو تشكل أزمة كبيرة تُوقف صعود الصين. وللأسف، هذا الاحتمال غير وارد بالنظر إلى سجل الاستقرار في الصين على المستوى الكفاءة والنمو الاقتصادي. يمكن القول بكل شيء حول خطورة التنافس الأمني إلا القول بأن هناك مفر منه.
وفي أفضل الأحوال، يمكن أن يدار هذا التنافس لتجنب الحرب. هذا الشيء يتطلب من واشنطن لإبقاء قوات عسكرية تقليدية قوية في شرق آسيا لحث بكين على أن أية تصادم عسكري سيكون انتصاره مكلفا. إقناع المنافسين بصعوبة تحقيق انتصار سريع وحاسم يمنع الحروب. يجب أيضا على صناع القرار الأمريكيين بمثابرة العمل على تذكير أنفسهم والقيادات الصينية حول عدم استخدام الأسلحة النووية. على الأرجح، استخدام الأسلحة النووية هو الجواب الأخير الرادع. تستطيع واشنطن العمل لبناء قوانين حين شن هذي المنافسة الأمنية باتفاقات تُجنب احتمالية ظهور هذه الحوادث في البحر أو حوادث عسكرية أخرى. وفي حالة أن كلا الطرفين استوعبوا الخطوط الحمراء لكل طرف، تُصبح الحرب أقل احتمالية.
تستطيع هذه التدابير فعل الكثير لتقليص خطورة صعود التنافس الأمريكي الصيني المحتوم. ولكن هذه التكلفة الثمينة تدفعها الولايات المتحدة الأمريكية لتجاهلها المنطق الواقعي وتحويل الصين الى دولة قوية مصممةً على تحديها في كل بقعة.
المرجع: https://www.foreignaffairs.com/articles/china/2021-10-19/inevitable-rivalry-cold-war.